رواية مالك
المحتويات
وكيف لم يتوقف قلبها عن النبض من أجله ..
ربما ظنت أنها لم تعد تحبه ولكن منذ تجدد اللقاء بينهما وهي أدركت أنها غارقة في عشقه ..
استشعر عمرو حديثها كاملا بقلبه تلك المرة وأنصت لها بآذان محب مثلها ..
ولما لا فهو متيم بروان .. تلك الشقية التي كان ينبذها يوما وبين ليلة وضحاها باتت شغفه ..
لمست كلماتها قلبه ورق لها وأخذ ېعنف حاله على تسببه فيما وصلت هي إليه .. وبعد أن انتهت من البوح بمشاعرها وجدته يحتضن رأسها بين راحتيه ثم نطق هامسا بنبرة عاطفية تحمل العتاب
ردت عليه إيثار بنبرة متآلمة وهي تحاوط كفيه براحتي يدها
عشان مينفعش حد يشيله معايا بس النهاردة حسيت إن كده كتير عليا وكان لازم أتكلم مع حد !
مسد عمرو على شعرها ثم أعاد خصلاته خلف أذنيها وهو يتساءل بإهتمام
طب وقررتي تعملي إي
أجابته إيثار بلهجة قوية عنيدة تحمل من الكبرياء الكثير
تنهد بحزن واضح ..
تغيرت شقيقته ونضجت ..
جعلتها الظروف تقهر كل شيء يحاول العصف بها لتنهض لوحدها من جديد ..
ابتسم لها عمرو بحنو وربت على ذراعيها ودعمها قائلا
ردت عليه وهي تومئ برأسها
ماشي
نهض عمرو من جوارها ثم أشار بيده للخارج وهو يقول
هطلع أشوف ماما وانتي ارتاحي ونامي شوية !
هزت رأسها موافقة فانصرف من حجرتها ..
اعتدلت في جلستها ونظرت حولها بفتور ثم استندت بظهرها على مؤخرة الفراش وتنهدت بعمق لتطرد تلك الشحنات السلبية عن صدرها ..
.................................
في هذا الآن وصل مالك إلى منزل عمته و معه الصغيرة ريفان وشقيقته ..
انتقى مالك الوقت المناسب لينفذ مخططة الذي جاء خصيصا إلى هنا من أجله دون أن يثير الشكوك
هو عزم على عدم الاستسلام أو اليأس مع أول محاولة لصده منها ..
هي ملكه حبيبته .. ومعذبة فؤاده .. وهو سيستعيدها من جديد ..
نعم سيجتهد للوصول إليها أيا كانت النتائج ..
ولكن ما استوقفه عن تنفيذ ذلك هو رد فعل أخاها عمرو تجاهه خاصة بعد مواجهتهما الأخيرة والحادة .. فقرر اللجوء لتنفيذ مخطط أخر. ...
_ ولج لحجرته القديمة ثم فتح النافذة وأطل منها لينظر للأعلى بشغف المحب العاشق ..
كان ضوء غرفتها مضاء فأستنبط أنها تمكث بها ..
زادت حماسته وبدأ يتأهب للتنفيذ ..
عاد لداخل الغرفة و أخرج آلته الموسيقية ثم عاد ليقف في الشرفة ..
زفر أنفاسه على مهل وأغمض عينيه ليبدأ العزف على كمانه بعذوبة ساحرة بنفس اللحن القديم ..
نعم هو عزفه من أجلها مسبقا قبل سنوات وها هو اليوم يقف في شرفته يعيد على مسامعها ألحانه الشجية ..
ألا تشفقين علي حبيبتي
ألا تغفرين خطيئتي
أنا المتيم العاشق لترابك محبوبتي
تناغمت ألحانه مع إحساسه الصادق ففتح عيناه ليحدق بالأعلى مترقبا تلبيتها لنداء عشقه ...
............................
خفق قلبها وبقوة وتحرك في مكانه على إثر سحر نغماته .. شعرت بحالة من اللهفة له وقد زاد شوقها إليه ..
أكلها الحنين لسماع ألحانه
لرؤيته
للمس كفه ..
هي تشعر بالحياة وقيمتها فقط في حضوره الذي يبرز تأثيره عليها ..
دار بخلدها لمحات من الماضي اشتاقت لرجوعها والعيش بين طياتها من جديد ..
فهبت من مكانها بلا وعي لتقف خلف النافذة فاخترق الصوت آذانها ولمس وتر قلبها
ترقرقت عبراتها اللؤلؤية على وجنتيها فأطبقت على جفنيها بخزي عندما تذكرت طرده لها ونعتها دائما بخائڼة العهود بائعة الوعود ..
عاتبت نفسها على حنينها الجارف إليه كيف ترق دوما إليه وهو سبب شقائها وتعاستها
ألا تكفين يا نفسي عن الحنين ألا تملين من الاشتياق إلى من جعلك تعانين
ردت إليه الروح عندما لمح خيالها خلف النافذة فزاد لحنه شجنا وكأنه يحدثها يرجوها أن تصفح عنه قسوته حيالها ..
ظل يعزف بعصا الحب السحرية واللحن يزيده إحساسا وعاطفة إليها ...
انتظر أن يرق قلبها له وأن تطل بعينيها البندقتين لتراه .. ولكنها خذلت توقعاته فقد اختفى ظلها وانطفأ ذلك الضوء ليعلن عن رفضها فتلاشى بريق الأمل من عينيه ...
هو علم برفضها لإعتذاره الغير المباشر واستشف
فشله في الوصول إليها عن طريق ما كانت تعشقه منه .. فتوقف عن العزف وظلت أنظاره معلقة بنافذتها ...
تنهدت روان بعد أن استشعرت الحزن في عينيه
طب ليه ټعذب نفسك وتعذبها بالشكل ده
رد عليها مالك بجمود وهو يجاهد لكي يفر من محاصرتها له وكشفها إياه
انتي بتقولي إي! مفيش حاجة من الكلام ده ..
ارتبك نوعا ما وهو يتابع قائلا
انا بس وحشني العزف مش أكتر من ساعة ما لانا ماټت وأنا بطلت أعزف تاني .. هي الوحيدة في الغربة اللي كانت بتشجعني أعزف !
همست روان وهي تضغط على مرفقه متغيرش الموضوع وتلف عليا يامالك ! أنا اكتر واحدة عارفة انك لسه بتحبها !
ثم صمتت للحظة قبل أن تضيف بهدوء
و.. وهي كمان لسه... !
خفق قلبه بقوة لعبارتهها الأخيرة هو متأكد من حبها له .. ولكنه يخشى من خسارتها ..
تعمد مالك ألا يظهر مشاعره أمامها وتحرك مبتعدا من جوارها وهو يهدر بإنفعال
روان .. مش عايز أتكلم في الموضوع ده
احتجت روان وهي تهز رأسها برفض شديد
لا مش هسكت لازم أخليك تواجه نفسك .. اللي بتعمله ده حرام ليك وليها كفاية !!!!!
يأس مالك من المقاومة .. فعلى من يخفي مشاعره .. إنها أخته التي شهدت على قصة حبهما منذ سنوات ..
سحب مقعد مكتبه الصغير ثم جلس عليه وډفن وجهه بين راحتيه وهمس بصوت حزين
مكنتش أعرف اني لسه....... مكنتش أعرف ياروان وكأني أتلعنت بيها !
اقتربت منه روان وأخذت تمسح على ظهره بحنو شديد ثم نطقت بنبرة صادقة
أنا هساعدك توصلها هطلع أكلمها دلوقتي و...
_ أفاقته عبارتها من حزنه وانتبه لها عندما اقترحت الصعود إليها ..
ما أثار حنقه هو وجود عمرو بالأعلى فرفع رأسه بعجالة وهتف بنبرة متشددة ومعارضة
لأ مش هتطلعي آآ ..
نظرت له بتوجس فأكمل مبررا
أقصد مش هاينفع تطلعيلها واخوها فوق بس.. آآ.. بس ممكن تحاولي تتصلي بيها يمكن فتحت تليفونها !
عضت روان على شفتيها وردت بحذر وقد تفهمت مقصده وسبب
رفضه
حاضر .. اللي يريحك
وبالفعل قامت روان بمحاولات عديدة للإتصال بها ولكن تعذر عليها الوصول إليها .. وفشل هو إيضا عقب محاولات عدة.
..................................
إحباط رهيب سيطر عليه خاصة أن الأمر استمر لبضعة أيام ..
أصبح منفعلا بصورة زائدة ودائم العصبية والتشنج ..
لم يلتفت لعمله طيلة مدة غيابها وكأنها السحر المخدر الذي يمنعه عن كل شيء إلا هي ..
كل الطرق إليها باتت مسدودة .. ولم يعد أمامه سوى ذلك السبيل ...
مديرة عملها .. هي الوحيدة التي ستعاونه على الوصول إليها ..
وبالفعل أصاب في اختياره فما إن علمت برغبته في مقابلتها بمقر المكتب حتى شرعت بتنفيذ مطلبه ..
فهو يشكل أحد أهم العملاء مع مكتبها وإرضائه سيضيف إليها .. ولذا لن ترفض طلبه
..........................
_ وفقا لقواعد وأسس المكتب .. يتم الحصول على رقم هاتفي احتياطي للتواصل مع العاملين في حال تعذر الوصول إليهم بالطريقة الطبيعية المباشرة ..
وكان هذا الرقم هو رقم والدتها ...
حيث قامت المديرة بشخصها بمهاتفة والدة إيثار وإبلاغها بضرورة حضورها لإستلام عمل جديد كبديل عن السابق ومهامه ستوكل إليها ..
شعرت إيثار بالحزن لتركها الصغيرة ريفان بعد أن تعلقت بها جدا .. كذلك كانت هي أحد مصادر فرحتها وبهجتها ولكن ليس بيدها حيلة .. فهي مجبرة على الحفاظ على كرامتها وإكمال مسيرة عملها..
فقررت الذهاب للمكتب التابعة له للإتفاق على التعاقد الجديد وإستلامه.
وطأت بقدميها مقر المكتب وولجت لحجرة المديرة المسئولة عن المكان رحبت بها الأخيرة وأملت عليها بهدوء
في أوضة الاستضافة هتلاقي العميل الجديد مستنيكي عشان يتكلم معاكي!
ابتسمت لها إيثار وهي تهز رأسها بإستسلام
حاضر !
_ غادرت الغرفة بهدوء ثم سارت عبر الرواق الطويل والمفترش بالبساط الأزرق السميك حتى وصلت أمام غرفة الاستضافة ..
لا تعلم لما كل تلك الرهبة التي بداخلها..
ولا تدري سبب هذا التوتر الذي يعتري كل ذراتها دون داعي ..
فتلك ليست المرة الأولى التي ستقابل فيها عميلا لكن الأمر مختلفا ..
إحساس غريب يجتاحها يجعل دقات قلبها تتسارع وكأنها في سباق عدو ..
استطاعت أن تفسر ماهية كل هذه المشاعر المتوترة عندما وقعت عيناها عليه حينما ولجت لداخل الحجرة...
حدقت فيه غير مصدقة أنه أمامها وأنها تراه بطلته الآسرة ..
اهتز كيانها لرؤيته وعلت دقاتها من جديد وهي تراه بهيئته الجذابة تلك أمامها ..
أفاقت من توترها وصډمتها و فكرت بالتحرك سريعا والهروب من أمامه ..
هي لن تتحمل المواجهة من جديد ..
لم يعد هناك ما يقال فما قيل قد قيل
وكأنه قد قرأ أفكارها فقبل أن تبرح مكانها كانتا قبضتيه
أسرع إليها ..
جذبها من ذراعيها نحوه بقوة لتسقط في أحضانه وقبل أن تتمكن من إستعادة توازنها كان قد أحكم اغلاق الباب لينفرد بها ...
سرى بجسدها قشعريرة رهيبة وأصابتها رعشة مزعجة من حضوره الطاغي عليها ..
انسلت من بين أحضانه وتراجعت مبتعدة عنه ..
بينما تمعن بدقة وتفرس بتلهف ملامحها التي اشتاق إليها لسنوات ..
شعر وكأن دهرا مر علي عدم رؤياها ..
رمقها بنظراته المشتاقة النادمة فشردت فيهما
دنا منها ليجذبها إليه وكادت أن تستسلم لسحر تأثيره ولكنها سرعان ما أفاقت من تلك الغفوة الصغيرة لتدفعه بعيدا عنها فلم يقاومها ولم يرفض رغبتها بالابتعاد عن أحضانه وترك لها العنان للتصرف بحرية ..
لملمت شتات أمرها واستجمعت شجاعتها المزيفة في وجوده لتقول بسخط
خير يامالك.. بيه
سيطر مالك على انفعالاته وتغاطى عن طريقتها وأسلوبها في الحديث ليجيبها بهدوء
عايزك تيجي معايا
ردت عليه إيثار بإباء وهي تعقد ساعديها أمام صدرها وترفع رأسها للأعلى ليزداد الشموخ في نبرتها
معاك!! بس أنا سبت الشغل عندك وأظن أنك عارف السبب !!!
هتف مالك وهو يفرك أنامله بتوتر وكأن الكلمات قد فرت منه
آآ.. انا مش عايزك ترجعي الشغل أنا عايز أتكلم معاكي بعيد عن هنا
هزت إيثار رأسها معترضة وأجابته محتجة وهي تتراجع للوراء بخطواتها
انا اسفة .. مش عايزة ا......
دنا منها بصورة مباغتة أفزعتها فوجدت نفسها على حين غرة تغطي وجهها بكفيها وكأنه تحمي نفسها من بطشه ..
نظر لها
متابعة القراءة