رواية مالك
المحتويات
فقد تمكن زوج عمته من مقابلة الأستاذ رحيم وطلب منه تحديد موعد رسمي للتقدم لخطبة إيثار ..
اعترض الأخير في البداية ولكنه وافق في النهاية بعد محاولات مقنعة على تلك الزيارة العائلية حتى توضع الأمور في نصابها الصحيح ..
ايوه يا عم مين أدك !
ها ايه رأيك
أرخت ساعديها واقتربت منه وأجابته بثقة
مز الصراحة
ماشي يا روني يعني أعجب
أجابته دون تردد
ده انت تعجب الباشا يا مالوك
تنهد بعمق وهو يتابع قائلا بتوتر
ادعيلي ربنا يسرها معايا لأحسن مقلق أوي من أبوها !
يارب يتمهالك على خير !
أمين
صاحت ميسرة من الخارج بنبرة مرتفعة
جاهز يا مالك
أجابها بصوت عال
ايوه يا عمتو أنا جاهز
حاضر
ظنت أنها تتوهم ما سمعته منها لكنها طمأنتها قائلة
أبوكي بنفسه اللي وافق
فإرتدت فستانا طويلا من اللون الزيتي ولفت حجاب رأسها بطريقة جميلة ووضعت لمسات باهتة من مساحيق التجميل لتزيد من إشراقة وجهها ..
كان عمرو هو الوحيد المعترض على تلك الخطبة فبدى متذمرا وغير راضي على الإطلاق ..
سمع عمرو قرع الجرس فنفخ بضيق ثم اتجه ناحية الباب ليفتحه ..
استمعت إيثار هي الأخرى لصوته فقفز قلبها في صدرها وتلاحقت أنفاسها بشدة ..
فركت أصابع يديها بتوتر وحاول أن تضبط أنفاسها اللاهثة .. لكن شعور السعادة بداخلها لا يمكن أن يوصف ..
تراجعت بجسدها للخلف ورفعت كفيها وبصرها للسماء وهمست بتضرع
يا رب كملها على خير يا رب !
استقبل الأستاذ رحيم عائلة مالك بترحاب رسمي وجلس الجميع في غرفة الصالون ..
تنحنح رحيم بصوت خشن وهو يقول
رد عليه ابراهيم بنبرة هادئة
البيت منور بأصحابه ازيك يا حاج رحيم
أجابه الأخير قائلا بنبرة شبه منهكة
الحمدلله في أحسن حال
يدوم يا رب
راقبت روان عمرو بنظرات حادة فقد كانت تبغض وجوده .. وبادلها هو نفس الشعور بالإضافة إلى كرهه لوجود مالك .. لكن ما بيده حيلة ..
بعد لحظات ولجت تحية وهي تحمل صينية كبيرة مليئة بالمشروبات تناولها منها ابنها عمرو وأسندها على الطاولة التي تنتصف الغرفة ..
ازي أحوالك يا ست تحية
بخير يا حبيبتي
ثم أضافت بحماس
ده البيت نور بوجودكم فيه ده احنا زرنا النبي
رد الجميع بخفوت
عليه الصلاة والسلام
تساءل ابراهيم بإهتمام وهو يتلفت حوله
أومال عروستنا الجميلة فين
ردت عليه تحية بحماس
جاية اهي
تجهم وجه عمرو بصورة واضحة ولم يكلف نفسه العناء لتصنع الرضا ..
تحركت إيثار في الغرفة ذهابا وإيابا بتوتر بائن عليها ..
جلست على طرف فراشها وتمتمت مع نفسها بإرتباك
يا رب مايكونش حلم يا رب كملها على خير
حانت منها إلتفاتة للجانب وسلطت أنظارها على الكومود ففي درجه العلوي تضع تلك الرسائل الغرامية التي جمعتها من مالك .. وشرد عقلها لوهلة في مواقفهما السابقة .. ووجدت نفسها تبتسم تلقائيا ..
استمعت هي إلى صوت والدتها ينادي عليها من الخارج
ولجت إيثار إلى داخل غرفة الصالون وعلى وجهها حياء جلي ..
جلست بإستحياء على أقرب أريكة بعد أن رحبت بميسرة وروان ..
اختلس مالك النظرات نحوها وحاول ألا يبدو أمام أخيها وقحا بالتحديق فيها ..
استطرد ابراهيم حديثه قائلا بهدوء جدي
شوف يا حاج رحيم إحنا جايين النهاردة عشان نطلب إيد بنتك المصون إيثار لابننا الغالي مالك فإيه رأيك
كانت تحية على وشك الرد ولكن أشار لها رحيم بكف يده وأجابه قائلا بنبرة ثابتة
والله المواضيع دي محتاجة ناخد وندي مع بعض الأول في تفاصيلها
إن شاء الله مش هانختلف
تدخل عمرو قائلا بنبرة شبه متهكمة
وهو ال .. الأستاذ مالك قادر يفتح بيت ولا هياخد المصروف منكم !
رد عليه مالك بهدوء حذر
أنا قولت لحضرتك قبل كده يا استاذ عمرو إن عندي شقة أهلي في القاهرة هابعها وأجيب حاجة مناسبة هنا غير إني بأتدرب في مكتب محاسبة وآآ...
قاطعه عمرو بنبرة جافة وهو يحدجه بنظرات قاتمة
كل ده أنا عارفه بس هاتقدر على مصاريف الجواز ولا هاتقضيها حب !
تلك المرة رد عليه إبراهيم بجدية
أستاذ عمرو احنا مش هانسيب ابننا لوحده هنسانده لحد ما يقف على رجله
بينما أضافت ميسرة بنبرة شبه حادة
مالك ابن أخويا الله يرحمه هو رزق من ربنا ليا وأنا استحالة مكونش واقفة معاه
استشعرت إيثار اضطراب الأجواء وبدى رفض أخيها جليا للعيان ..
تضرعت لله في نفسها ألا يسوء الوضع ..
لم يختلف حال مالك عنها
كثيرا فقد كان مثلها ولكنه تحامل أكثر على نفسه كي يبدو هادئا أمام عمرو فمبتغاه في النهاية هو الظفر بحبيبته ..
ظلت الأوضاع ما بين شد وجذب حتى اتفق الطرفان في النهاية على قراءة الفاتحة ولكن بشروط تضمنت عدم مقابلة مالك لإيثار بمفردهما أن تكون اللقاءات بينهما مقتصرة على الزيارات المنزلية وكذلك إعطاء مهلة لمالك لبيع منزله القديم وشراء أخر وتجهيزه في أقرب وقت ..
تنفست إيثار الصعداء بعد أن قرأ الجميع الفاتحة وصدح صوت الزغاريد في المكان ..
نهضت تحية لتوزع المشروبات والحلوى على الجالسين ..
دنت روان من إيثار وقبلتها بشغف من وجنتها وهمست لها بسعادة
مبروك يا ريري هاتبقي أحلى عروسة
ميرسي
قالتها إيثار بخجل واضح في نبرتها
إعتلى ثغر مالك إبتسامة سعيدة وسلط أنظاره على عروسه المرتقبة ..
في حين كانت نظرات عمرو له حادة للغاية .. لكنه عقد النية في نفسه ألا يجعل تلك الخطبة تستمر طويلا ..
استمعت سارة وهي ممددة على فراشها إلى صوت زغاريد عالية فإعتدلت في نومتها وأغلقت هاتفها المحمول وانتبهت جيدا لمصدر الصوت ..
تكررت الزغاريد مرة أخرى فهبت من فراشها واتجهت إلى الخارج وتساءلت بإستفهام
سامعة صوت الزغاريد دي يا ماما
ردت عليها والدتها إيمان قائلة بهدوء
ايوه
ثم هزت كتفيها في عدم إكتراث وهي تتابع
بس مش عارفة
جاية منين !
لأحسن يكون اللي في بالي !
عاد مالك مع عائلته إلى منزلهم بعد ذلك اللقاء العصيب وشكر عمته وزوجها بإمتنان كبير وأضاف بسعادة
أنا مش عارف من غيركم كنت هاعمل ايه
احتضنه إبراهيم بذراعه ونظر له بحنان أبوي وهو يجيبه معاتبا
عيب تقول كده ده انت ابننا الغالي
هتفت روان بنزق
بس اخوها ده يتفاتله بلاد
ردت عليها ميسرة قائلة بتنهيدة منهكة
مالناش دعوة بيه احنا يهمنا إيثار
أضاف مالك مؤكدا
بالظبط هو ولا يفرق معايا أنا عاوز إيثار وبس
تابع إبراهيم حديثه قائلا بتحذير
أهم حاجة يا بني تلتزم بالاتفاق معاهم انت عارف أخوها بيتلكك
لوى ثغره وهو يقول بإمتعاض
مع إنه قاصد انه يقرفني بس هاستحمل عشان خاطرها
خاصم النوم جفني إيثار فقضت ليلتها هائمة في أحلامها الوردية مع حبيبها ..
لم تصدق أنها بالفعل ستخطب إليه ..
ظنت أن السعادة عرفت طريقها إليها بعد فترات مجحفة من الظلم البين ..
في اليوم التالي عاد عمرو إلى عمله فإستقبله محسن بعتاب زائف وهو يصافحه
بقى كده يا عم تغيب وتقول عدولي !
أجابه عمرو بتنهيدة مطولة
دول هما يومين مش أكتر
جلس محسن على المقعد المقابل لمكتبه وسلط أنظاره عليه ليتفرس ملامحه العابسة وتابع قائلا بمكر
أنا حاولت أكلمك بس إنت طنشتني
رد عليه عمرو بفتور
معلش كنا مشغولين
سأله محسن بإهتمام وقد ضاقت نظراته
خير يا أبو نسب
تعجب عمرو مجددا من تكرار مناداته بهذا اللقب وشعر بالحرج منه ..
فأسبل عينيه بعيدا وأجابه بحذر
احم .. آآ.. كنا بنقرى فاتحة أختي !
اتسعت مقلتي محسن في صدمة وكأن دلوا مليئا بالماء المثلج قد سقط فوق رأسه فصعقه ..
هتف بنزق وقد تبدلت تعابير وجهه لتتجهم
هي اتخطبت
رد عليه عمرو بنبرة شبه منزعجة
ايوه مع اني مش موافق
أصر محسن قائلا بضيق
لأ احكيلي كل حاجة بالتفصيل
لوى عمرو ثغره وهو يردد بعدم إكتراث
معدتش يفرق الكلام في الموضوع ده !
إعترض محسن قائلا بحنق
لأ يفرق معايا ده أنا كنت ناوي أخطبها !
إندهش عمرو من عبارته الأخيرة وفغر ثغره مصډوما وردد بتلعثم
هاه ت.. تخطبها !
أومأ برأسه بحركة واضحة وهو يكمل
ايوه بس كنت مستني الفرصة المناسبة عشان أفاتحك فيها !
شعر عمرو أنه في مأزق حقيقي وبدى حائرا في التصرف معه .. فوالده قد وافق على الخطبة رغم اعتراضه عليها وفي نفس الوقت هو يرى في زميله الشخص المناسب لها ...
لم يتركه محسن لهواجسه وهتف بلؤم
شوف يا عمرو دي لسه خطوبة وأي حاجة ممكن تحصل فيها فمتشلش هم !
قطب عمرو جبينه وسأله بعدم فهم
قصدك ايه
التوى ثغر الأخير بإبتسامة ماكرة وهو يجيبه
هافهمك !
عرفت سارة بخطبة إيثار فإستشاطت ڠضبا وثارت ثائرتها وهتفت بإهتياج وهي تلوح بذراعها
بقى دي تتخطب يا ماما وأنا .. أنا اللي أحسن منها أفضل كده !
ردت عليها إيمان مواسية إياها
بكرة يجيلك نصيبك يا حبيبتي
هزت رأسها معترضة وصاحت بغل
لالالا .. يعني عمي رحيم رضى باللي كانت بتعمله ووافق يجوزها لمالك وأنا قدامه من سنين !
تقوس فم والدتها وهي تقول بإمتعاض
خلاص بقى يا سارة شيليها من دماغك
اعترضت بإصرار أشد
لأ مش هاسكت يا ماما الموضوع ده فيه إن !
سألتها والدتها بإهتمام
تقصدي ايه
ضاقت نظرات سارة وتحولت للقتامة وتساءلت بخبث
ايه اللي يخليهم يوافقوا على مالك بعد اللي عرفوه عنه والكلام اللي اتقال !
ردت والدتها بنبرة عادية
يعني .. جايز بيحبها !
تشنجت تعابير وجه سارة أكثر وهتفت بسخط
حب ايه يا ماما أكيد في حاجة غلط عملوها ڤضيحة وبيداروا عليها
ردت عليها والدتها متساءلة بإستنكار
قصدك بيتستروا عليها
أضافت سارة قائلة بإزدراء
مش بعيد هي أول مرة يعني ! ماهو حصل قبل كده في القاهرة إنتي نسيتي يا ماما
لطمت والدتها
يا لهوي !
أكملت سارة بنبرة أكثر خبثا
قولي كده لبابا وشوفي هايقولك ايه وأنا متأكدة إنه رأيه هايكون زي
هتفت والدتها بذهول
حقة لو كان ده حقيقي !
ثم هزت رأسها بإيماءة خفيفة وأضافت بعزم
أما يرجع أبوكي من سفره هاقوله
عقدت سارة ساعديها أمام صدرها وصاحت پغضب
أنا مش نازلة أباركلها
براحتك
ثم حدثت نفسها بتوعد
من الأخر كده أنا مش هاخلي بنت تحية تتهنى بمالك ومابقاش أنا سارة إن ما عملت كده !!!
خلال الأيام التالية اجتهد مالك في عمله كثيرا وطلب من صاحب مكتب المحاسبة تكليفه بمهام أكثر خارجية مع من يعرفه من رجال الأعمال أو حتى التجار ومستخلصي الجمارك حتى يتمكن من توفير أكبر قدر من المبالغ المالية ليشتري بها مصوغات ذهبية تليق بحبيبته ..
لم يعبأ بالمجهود المضاعف الذي يبذله فكل شيء يهون من أجل الظفر بمن ملكت قلبه ...
ورغم قلة اللقاءات المنزلية بينهما إلا أنه كان راضيا بها فبعد أن كان محرما عليه رؤيتها أصبح قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمه معها ..
رسم الاثنين سويا الخطوط العريضة لحياتهما معا ..
كذلك لم يتركهما عمرو بمفردهما إلا في لحظات معدودة حينما تناديه والدته فيضطر أسفا لترك
متابعة القراءة