رواية مالك
المحتويات
أغلقت النافذة ثم عادت لفراشها مدعية الرغبة في النوم لعلها تهرب من كم الذكريات الذي يطاردها ليوقظ شعلة حبها وشوقها من جديد .
...................................
_ كان هذا الصباح مختلفا لها فبالرغم من إشراقه إلا إنها كانت حزينة لفراق أحدا عزيزا عليها .. مصطفى ذلك الطفل الصغير الذي اعتادت على مجالسته يوميا عقب ذهاب والديه للعمل ..
قامت هي بتصميم ألبوم كامل من الصور الفوتوغرافية التي جمعتها به لتمثل له ذكرى عزيزة ذات يوم عندما يكبر ويتذكرها أثنت والدته السيدة رانيا على فعلتها الراقية وهي تقول بإمتنان
ردت عليها إيثار وهي تمسح بيدها رأس الصغير
متقوليش كده يامدام رانيا ربنا عالم مصطفي عزيز عليا قد اي
هتف مصطفي وهو يتعلق بذراعها وانا بحبك اوي ياإيثار ليه مش بتيجي معانا
_ انحنت قليلا لتطبع قبلاتها الصغيرة على جبين الطفل ثم نطقت بنبرة دافئة معهودة منها
رد الصغير مصطفى ببراءة وهو يهز رأسه نافيا مش هنسى انا هخلي مامي تتصلي بيكي كل يوم كل يوم !
_ احتضنته بعمق حتى تخللت أنفاسه صدرها ثم اعتدلت في وقفتها وهي تضبط وضعية حقيبتها على كتفها وابتسمت قائلة
أستأذن انا بقى !
ردت عليها رانيا وهي تصافحها بحرارة
_ تركت المنزل والحزن مخيما عليها لفراق طفل أخر ولكنها قررت تناسي الأمر لإستكمال الطريق فتلك هي مهنتها .. مجالسة الصغار وغرس مباديء الألفة والود في نفوسهم الصغيرة ..
زفرت أنفاسها وهي تستجمع شتات الأمل حتى تقابل طفلا أخر في مسيرتها التربوية ..
ذهبت إلى مقر المكتب التابعة له عقب أن طلبتها مديرة المكتب بصورة متعجلة فما كان منها إلا تلبية النداء والذهاب على الفور لتتفاجيء بالمديرة تبلغها بجدية
طفلتهم رضيعة عندها سنتين إلا شهر ولا حاجة .. والد الطفلة جه بنفسه هنا وطلب مربية بمواصفات قياسية وانا ملقيتش عندي مربية أفضل منك خصوصا ان ليكي كاريزما خاصة مع الأطفال الصغيرين !
_ كانت مفاجأة بالنسبة إليها فقد كانت ترغب ببضع أيام كأجازة لها لتجدد نشاطها وتعتاد غياب الصغير مصطفى قبل استلام العمل لدى أسرة جديدة ..
عارفة انك كنتي محتاجة اجازة خصوصا بعد ما سيبتي مصطفي لأنك كنتي متعلقة بيه بس دي فرصة بالنسبالك والراجل اللي هتشتغلي عنده شكله جنتل خالص عشان كده اعتبرتها فرصة ليكي !
ابتسمت لها إيثار وهي تومئ رأسها إيجابا ثم ردت بتنهيدة شبه منهكة
ماشي حضرتك هروح أمتى
_ بحثت المديرة بإحدى الأوراق الصغيرة عن تلك الورقة المدون بها للعنوان والتفاصيل للوصول إلى المكان المنشود حتى وجدتها ومدت يدها بها وهي تقول
ده العنوان والتليفونات لو معرفتيش توصلي وعلى فكرة في الحسابات ظرف بأسمك فيه مبلغ مالي هدية من أسرة مصطفي لجهودك مع الولد.. مدام رانيا بلغتني انك رفضتي تاخدي اي حاجة عشان كده فضلت تسيبهولك هنا !
_ بدى على وجهها الإمتنان والسعادة ليس للمبلغ المالي ولكن لتقدير المحيطين حولها لها .. فقد كانت في حاجة ماسة إلى هذا الدعم المعنوي إلى
تقدير ذاتها ومدح عملها .. وها هي قد ظفرت بها بعد مجهود مضني وإخلاص متفاني ..
هزت رأسها ثم نطقت برقة
شكرا.. عن أذنك.
...........................................
تأنقت إيثار في ثيابها الجديدة ثم نظرت لحالها بإعجاب في المرآة ثم ضبطت وضعية حجابها الأزرق الذي تماشى مع كنزتها الفيروزية وبنطالها الأبيض .. وأكملت تنسيق ثوبها عن طريق وضع عقدا متعدد الألوان حول عنقها وأعلى حجابها ثم انطلقت للخارج وتعجلت بخطواتها للذهاب إلى مكان العمل الجديد
.. كان الطريق مزدحما گعادته فأضطرت لإستجار سيارة للأجرة حتى تستطيع الوصول مبكرا ...
_ كان المكان عبارة عن فيلا صغيرة في منطقة سكنية حديثة يبدو على هيئتها الخارجية البساطة والرقي وعدم التكليف ..
ظهر الإعجاب واضحا على تعابير وجهها ..
عبرت البوابة والتي كانت خالية من أي حراسة بخطوات ثابتة ومنها سارت عبر الممر الحجري المزدان على جانبيه بالمزروعات الصغيرة والورود المتفتحة ذات الألوان المبهجة ...
استنشقت عبير الأزهار وهي تبتسم متفائلة بالخير في هذا المكان منذ أن وطأت أعتابه بقدميها طرقت الباب بتوتر قليل وانتظرت أمامه وهي تحاول الحفاظ على هدوء ابتسامتها ..
وما هي إلا لحظات حتى انفتح لها لتظهر الخادمة من وراءه وهي تحمل الطفلة الرضيعة ..
استقبلتها إيثار بإبتسامة ودودة ولاحظت على مرأى العيان فشل الخادمة في التعامل مع الصغيرة ..
تساءلت الخادمة راوية بنفاذ صبر وهي ترمقها بنظرات سريعة خاطفة لكنها متأملة لهيئتها العامة
خير حضرتك عايزة مين
ردت عليها إيثار برقةوهي تنظر للطفلة الباكية بشفقة انا المربية الجديدة جاية عشان... آآ
تنفست راوية الصعداء وكأنها وجدت السبيل لنجاتها من بكاء الصغيرة
هو انتي!! اتفضلي اتفضلي
_ ولجت إيثار للداخل فتفاجئت بها تضع الرضيعة بين يديها وهي تقول بصوت خفيض يملئه اليأس
خدي اتعاملي معاها احسن انا من ساعة ما جيت امبارح مش عارفه اسكتها خالص !
تناولت إيثار الصغيرة بين ذراعيها بحنان أموي جلي .. ومسحت على ظهرها برفق حتى تستكين وتكف عن البكاء ..
ثم تأملت ملامحها الجميلة بدقة ..
كانت الصغيرة آية من إبداع الخالق .. فهي تملك ملامح آسرة بالإضافة إلى شعرها الأشقر وعيناها الزرقاوتين وبجانبهم بياض بشرتها ونعومتها ..
مسدت إيثار على رأسها بحنو فشعرت وكأنها قطعة منها.. گأبنتها أو ماشابه ذلك لا تعلم ماهية هذا الشعور ولكنها شعرت بالسعادة لوجود هذا الكائن الملائكي بين يديها وفي أحضانها ..
توجهت للداخل بخطوات بطيئة وهي تهدهدها وممررة أصابعها على خدي الصغيرة وجبهتها ..
استجابت الصغيرة لحركاتها المداعبة وبدأت في السكون والنظر لها بأعين متفحصة دارسة ..
وبحركة طفولية بريئة مدت أناملها الناعمة الصغيرة ولمست وجنتي إيثار .
_ خلق بينهما الانسجام منذ المقابلة الأولى ومنذ تعارفهما الأول ..
جلست إيثار على طرف المقعد ثم أسندتها على ذراعها وهي تداعبها بالذراع الأخرى حتى أنها تناست البحث عن أصحاب المنزل والتعرف عليهم .. فتلك الصغيرة أسرتها في عالمها الطفولي البريء وأعادت الضحكة إليها ..
_ وإذ بها فجأة تنتفض من مكانها ووقع قلبها في موضع قدميها..
تصارعت أنفاسها وتسارعت داخلها مشاعر متناقضة عندما استمعت لهذا الصوت المألوف ولتلك النبرة التي تحفظها وتتردد على مسامعها كل يوم ..
ارتجف قلبها بشدة واضطرب عقلها وتلاحقت الذكريات كأنها تيار جارف ..
تساءلت بعدم تصديق هل ما سمعته هو الكذب أم أنها تتوهم !!
_ جابت المكان بناظريها المتفحصتين الباحثتين لتجد صاحب الصوت ولكنها لم تجده .. كان الصوت يقترب منها فتزداد نبضاتها تلاحقا حتى رأته يهبط درجات السلم موليها ظهره وهو يتحدث بهاتفه بهدوء
يبقى على معادنا بالليل الساعة 10 سلام
_ حضرت راوية بين يديه سريعا ثم نطقت وهي تشير أتجاه إيثار وتقول بإبتسامة
المربية الجديدة جت يافندم اهي
أومأ برأسه متفهما ثم الټفت نحوها ولكن تجمد الحديث على لسانه وتحرك قلبه من مكانه مرة أخرى بعد سنوات قد دهس فيها قلبه أسفل نعليه ..
رمش بعينيه عدة مرات ليستوعب أنها أمامه وليست طيفا ..
فغر فمه غير مصدق وجودها ..
ثم عبس بوجهه فجأة وتجمدت تعابيره بل وقست نظراته وهو يقول بصوت يحمل الشراسة
انتي !!!!
_ لقد صدق حدسها انه هو .. ذاك الذي ظنت أنه حبيب قلبها وخليل فؤادها ..
المنتظر الذي طالما انتظرته لسنوات عديدة آملة رؤيته لمرة واحدة ..
وها هو حلمها يتحقق هو الآن أمامها ولكن يحمل وجها جديدا بملامح مختلفة ويختبئ بجسده المشدود خلف حلته السوداء التي أعطت لمظهره هيبة ومهابة ..
تغيرت نظراته الحانية وبدى أكثر جدية إن صح التعبير أكثر قسۏة عما مضى ..
لم تجد فيه الروح المرحة التي عاهدتها منه ..
إنه شخص جديد كليا ..
تسارعت أنفاسها إلى حد ما فجاهدت لضبطها أمامه ..
لم تتخيل أن وجوده سيحدث كل هذا الخلل والإضطراب فيها ..
أربكتها نبرته الشرسة وابتلعت غصة مريرة وهي تنطق حروف اسمه على لسانها من جديد بهمس مرتجف
مالك .........................!!!
..........................................
الفصل العشرون
صمت رهيب ساد في اﻷجواء بينهما لكن أعينهما كانت تنطق بالكثير ...
قست تعابير وجه مالك وبدت نظراته أكثر حدة وهو يحدجها بنظرات مطولة متعمدا التقليل من شأنها .. فهي بالنسبة له تعد رمزا للخېانة والغدر من جرحته بضراوة في فؤاده من دفعته للرحيل والتخلي عن أحبائه ...
أما حال إيثار فكان لا يتختلف عنه .. هو أهانها وظلمها في وقت كانت تعاني فيه بمفردها كانت في أمس الحاجة إليه و اختارت أن تضحي بحبها من أجل حمايته هو حتى وإن كان الثمن حريتها ...
هي أرادت أن تحميه على طريقتها لكن انقلبت الظروف ضدها ..
ابتلعت ريقها بتوجس كبير و لم تنس رغم كل شيء صدق حبها له ..
تفاجئت به يجذب صغيرته منها عنوة ليضمها إلى صدره فصړخت الصغيرة بړعب قليل قبل أن تبدأ في البكاء من إثر الخضة
حاول هو تهدئتها ولكنه فشل بسبب حركاته العصبية ..
صدمت إيثار من ردة فعله ومن تصرفه المباغت الذي أفزع الصغيرة فهتفت بلا وعي مستنكرة فعلته
انت خضيت البنت !!
رمقها بنظرات ڼارية قبل أن يصيح بصوت قاتم
انتي هتعرفيني أربي بنتي ازاي
فغرت شفتيها مذهولة وهي تمتم بصوت متقطع
هاه .. ب.. بنتك !!!
ثم صاح فجأة بصوت جهوري أجفل جسدها وأفزع الصغيرة أكثر
راوية .. راوية تعالي خدي البنت !!
خطت الخادمة بخطوات سريعة نحوه وهي تردد بإمتثال
حاضر يا مالك باشا
تناولت الصغيرة منه بحذر .. وسارت بها مبتعدة وهي تحاول هدهدتها لتكف عن البكاء .. .
شعرت إيثار بالخۏف من وجودها بمفردها مع مالك .. فوجود تلك الصغيرة كان يشكل درعا يقيها من انفعاله المباغت ..
دنا منها خطوة فتراجعت عفويا للخلف متحاشية القرب منه ..
نظر لها بإحتقار ثم أردف قائلا بجمود
ايوه دي بنتي كنتي مفكرة هافضل زي ما أنا أبكي على فراقك وحبك الرخيص !
صدمت من كلماته اللاذعة واضطربت دقات قلبها وردت بصوت متذبذب
انت .. آآ
تابع قائلا بشراسة وهو يتعمد تجريحها
أنا يا مدام عشت حياتي وقابلت انسانة حبيتني بجد واتجوزنا وخلفت منها مش واحدة زيك !!!!
لم تقو على الرد عليه .. بل حدقت فيه پصدمة حزينة .
شعور رهيب بالخذلان سيطر عليها وتملك من مشاعرها المضطربة ..
فمجرد تخيل امتلاك أخرى لقلب حبيبها ومشاركتها إياه لحياته بكل تفاصيلها أتعبها نوعا ما وعذب روحها ..
فماذا عن انجابه منها من يحمل صفاته يا إلهي إنه اكثر إيلاما !
حزن موجع أرهق قلبها
متابعة القراءة