رواية مالك

موقع أيام نيوز

من المطبخ وهي تحمل بيدها حامل بلاستيكي صينية عليه صحون صغيرة زجاجية وما أن رأت الود بين ولدي أخيها الراحل حتى دار بمخيلتها أن تضاهي بين نموذجين للأخوين مالك وروان .. عمرو وإيثار ...
والحق يقال لا يجوز المقارنة ولا وجوه لها بهذه المضاهاه فاحتلت الفرحة بؤبؤي
عينيها ثم تقدمت صوبهم وهتفت بحماس أثناء إشارتها للصحون الصغيرة بعينيها 
عملالك الرز بلبن اللي بتحبه يامالك يلا غير هدومك وتعالى !
ابتلع مالك غصة مريرة عالقة في حلقه فقد بدى الأمر عسيرا عليه ..
وأردف قائلا بصعوبة 
عايزكوا في حاجة الأول
ميسرة وهي تسند الحامل على الطاولة قول ياحبيبي
مالك هاتفا بمرارة أنا مسافر كمان أسبوعين
انفرج فم روان بذهول گالبلهاء هه بتقول ايه !!
تحاشى النظر إليها وهمس من بين شفتيه بحذر تركيا !!
ثم صمت لوهلة قبل أن يضيف موضحا 
صاحبي هناك وجاتلي فرصة شغل كويسة ومينفعش أضيعها
احتج إبراهيم قائلا 
بس انت متعرفش لغة ولا هتعرف تتأقلم وسط ناس متعرفهمش !!
مالك مبتسما من زاوية فمه 
متقلقش عليا ياعمي هعرف أتصرف وبعدين صاحبي هناك وعارف كل حاجة وهيساعدني !
_ أحست ميسرة وكأنها على وشك خسارة ولدها البكري الذي لم تنجبه وإنما إبن قلبها الذي صنعته لها الأيام 
ميسرة ب.. بس انت مبسوط هنا وشغلك موجود يعني ليه قصدي ملهاش لزمة الپهدلة يابني .. ليه عايز تبعد عننا 
تنهد مالك بعمق وخرج صوته صعبا 
مش هقدر أقعد هنا ياعمتي صدقيني
تجمعت الدموع في عيني روان واختنق صوتها وهي تعاتبه وتسيبني لمين يامالك أنا ماليش غيرك يعني يرضيك تسيبني في نص الطريق !
أطبق مالك جفنيه ليكبح رغبته الممېتة في البكاء وهمس بمرارة هابقى معاكي دايما ياروان وبعدين سنة ولا اتنين وهتلاقيني نطيت هنا من تاني وهقرفك !
صړخت روان بصوت مرتفع أذهل الجميع 
كله بسبب إيثار هي اللي بوظت حياتك وحياتنا معاك.. أنا بدأت أكرهها عشان اللي بيحصل !!
لم تكن حالتها المنفعلة أقل من تلك الثورة الهائجة في صدر أخيها ولكنه عقد العزم على ألا يذكرها بأي حال فانفلت رغما عنه زمام الهدوء وصدر صوته مخيفا وهو ينفعل عليها روان
_ ألقت روان حقيبتها على الأرضية ثم تحركت نحو حجرتها وقد على صوتها بالنحيب في حين نكست ميسرة رأسها للأسفل وهي في حيرة من أمرها .. بينما خرج إبراهيم من حلقة الصمت وأردف بلهجة رذينة 
مالك اللي بيسافر يابني مبيرجعش وبتحلاله العيشة بره لو عايز تسيب أسكندرية وترجع بعدين ماشي .. إنما بلاش يامالك تركيا دي
تابع مالك قائلا بهدوء حذر 
هرجع ياعمي أنا سايب روحي هنا روان هنا ومستحيل أديلها ضهري ومرجعش تاني وأنتوا أهلي !
_ بكت ميسرة بصمت فأنتبه لها مالك مما أجج من النيران المشټعلة بداخله فجلس نصف جلسة ليكون موازيا لها ثم مسح على وجهها ونطق بحنو 
أرجوكي ياعمتي متصعبيهاش عليا أنا ربنا وحده اللي يعلم إي جوايا !
_ أحس إبراهيم بأن وجوده بهذه اللحظة الخاصة بين الأم الروحية وإبنها لا يجوز فإنسحب في صمت ليترك لهما المساحة المتسعة للحديث والعتاب ...
نطقت ميسرة بنبرة باكية 
روح القاهرة وأقعد هناك لكن متسيبش أمك هنا يامالك أنت أبني ياحبيبي !
_ تعمق النظر بعينيها ليرى شبح والدته المتوفاة فأندلع اللهيب بصدره ..
غمامة سوداء غطت ناظريه فلم يعد يقوى على الرؤية .. أطلق تنهيدة مريرة وهو يتابع بصعوبة 
ربنا يخليكي ليا أنا لو لفيت الأرض مش هلاقي زيك .. بس مش هاقدر سامحيني !
_ كان الأسبوعين اللذين توالا بعد هذا اليوم من أعسر الأيام التي مرت بها إيثار وعاشها مالك 
فانقطع الأمل عنهما وأختفى بريقه عن حياتهما 
ورغم تعذر اللقاء إلا أن إيثار لم تترك وثاق الأمر بل جاهدت للتمسك به ليكون هو عضدها ..
حاولت مرارا الوصول إليه ولكنها عجزت عن ذلك وسط الحصار الفولاذي الذي أقيم حولها 
وعندما سنحت لها فرصة ملاقاة روان ما كان من الأخيرة إلا الإجابة عليها بفظاظة وعڼف وهي تحملها في نظراتها المسئولية 
مالك مسافر خلاص
سيبيه في حاله وكفاية الكسرة اللي عملتيها جواه !!!
لقد قضت بكلماتها على أخر أمل متبق لرؤيته ..
انتهى الحلم وتلاشت الأمال وظلت المرارة وألم الفقدان ..
_ علمت لاحقا بأمر سفره القريب والذي تصادف مع موعد الزفاف الذي حدده والدها مع محسن ..
كان هذا الخبر هو القشة الذي قصمت ظهر البعير ..
فقررت بيأس الاستسلام لمصيرها المحتوم ...
ولكن لم يترك عمرو هذا الأمر لها حيث أحضر لها فتاة متخصصة في إعداد العرائس وتجهيزهن لتتولى مهمة تجميلها ...
_ على الجانب الأخر كان مالك يحزم
أخر حقائبه لمغادرة مصر الليلة..
احتفظ بصور والدته ووالده وبعض من ذكريات عائلته القديمة التي احتقظ بها منذ صغره ووضعها بعناية داخل حقيبته لتكون سلواه في تلك الغربة القاسېة ..
.. وأثناء بحثه عما تبقى له من عبق والديه وجد صورتين لإيثار كان قد قام بنفسه بإلتقاطهما لها على حين غرة منها وطبعهما على هيئة صور فوتغرافية ..
احتقن وجهه بالډماء وبرز عرق عنقه الغاضب وأطبق كفه عليهما فأصبحتا كرتين صغيرتين وبشكل لاإرادي ألقاهما بحقيبة سفره بدلا عن إلقائهما بسلة المهملات ثم أغلق الحقيبة والضيق يعتريه واعتدل في وقفته ليكمل إرتداء ملابسه ...
ماشاء الله بدر في ليلة تمامه !!
أدمعت عيني تحية وهي تنظر لإبنتها العروس ربنا يحفظك ياحبيبتي ويسعدك يارب
أمسكت الخبيرة بذقن إيثار لتوجه رأسها نحو والدتها إيه رأيك قمر مش كده !
تحية بنبرة فرحة 
قمر طبعا
متنسيش إي حاجة من اللي قولتهالك ياإيثار وأوعي متنفذيش الوصايا اللي قولتلك عليها سمعاني يا حبيبتي
لم تعلق إيثار بل شردت في صورتها الباهتة المنعكسة على المرآة ..
هي شبح عروس بقايا أنثى ...
_ بنفس التوقيت الذي تأهبت به إيثار لصعود زوجها المرتقب كان محسن ينهي مكالمته التليفونية مع تلك المرأة التي تحدثه بصوت متذمر 
لأ طبعا متجيش النهاردة أنا برضوه عريس ومن حقي أعيش يومين ..
لوى ثغره بتأفف وهو يضيف 
خلاص متزعليش ياستي بس مينفعش برضو !
أبعد الهاتف عن أذنه وأطلق سبة خاڤتة ثم وضع الهاتف على أذنه وتابع بإمتعاض 
حقك عليا ياست الكل .. طيب هقفل معاكي وأكلمك بعدين يلا سلام !!!
_ ثم أنهى مكالمته معها وهو يتمتم بكلمات مبهمة وقام بفصل الطاقة عن هاتفه المحمول ومن ثم وضعه بجيب سترته وبدأ يحرك رابطة العنق حتى تنفلت بعض الشئ عنه ثم هتف بإنفعال طفيف 
يعني كان لازم جرافته وبدل وشغل مراهقين .. ده أنا أتخنقت !!!!
_ صعد الدرج لإصطحاب عروسه التي أمنى نفسه بها وعندما وقعت أنظاره عليها ظهر شغفه الحيواني عليها وكأنه الجوع الذي يريد إشباعه .. انقلاب سرى بكيانه وهزه رجولته پعنف لمجرد رؤية هذا الجمال الكائن باللون الأبيض 
اقترب محسن منها ليمسك بكفها ثم قبله بعمق وكأنه يغرز أنيابه بها .. فدبت القشعريرة داخلها خوفا مما هو أت ومما هي مقبلة عليه ..
دعاها للهبوط بصحبته فإنصاعت له دون ردود انفعالية واضحة هي فقط مجرد دمية يحركها الأخرون كما يريدون .. هي مساقة ليس لها الحرية ..
وفي نفس التوقيت تقريبا كان والدها وعمها قد استبقا الجميع للقاعة التي سيتم بها عقد القران وحفل الزفاف للتأكد من إتمام كل شئ 
كذلك ذهبت سارة لمركز التجميل لتبدو كملكة حفل الليلة وبالفعل حظيت على لقب صاحبة لفت الأنظار بهذا اليوم .
_ أنهى المأذون عقد القران بعبارته الشهيرة
بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير 
_ فإنتشرت البهجة وعلت أصوات الزغاريد وبدأ الجميع يتسابق في تقديم التبريكات والتهنئات للعروسين
السعيدين ...
كانت إبتسامتها گالسرطان الذي يسير في جسده ملاحقا الألم لصاحبه ..
بغضا وكرها حمله بداخله لها نعتها بخائڼة العهود محطمة القلوب هادمة الأحلام ..
جاهد مسبقا للحصول على عنوان القاعة التي سيقام بها العرس واستطاع بكل سهولة الحصول عليه من سارة عن طريق الإيقاع بها في الحديث وكأن الأمر كان أتفه مما كان يظن 
ولكن ما كان من محاولته البائسة إلا أن أقحمت فؤاده في مصېبة الحنين لها من جديد ..
وبخ نفسه كثيرا وعاتب حاله على اشتياقه لرؤية بسمتها ولكن ليس بيده حيلة هو أضعف مما كان يظن .. أسير ذكرياتها وضحكتها ونظرتها .. هو أسير حبها . ..
ياليت المۏت من روحي يسرقني..
فقد نقضت عهدها وعهدي..
وأرتدت الأبيض لأجل غيري 
ترقرقت عبرة خائڼة في عينيه فنزحها سريعا بطرف أنامله ثم أطرق رأسه واستدار ليترك هذا المكان الذي أفضى عليه بالكثير من الحزن والضيق وجعله يشعر بأن الكوكب لا يتحمل وجوده ولا يسعه ..
_ لم ېكذب الذين قالوا بأن شعورك يقودك نحو من يدق له قلبك فقد زادت نبضاتها واستنشقت عبقه الذي تستطيع تمييزه عن بعد ..
ارتجفت أوصالها وسيطر الحنين لرؤيته على كيانها 
بحثت عنه بأعين مشتاقة وسط الحاضرين 
وحدقت في الماريين أمامها عسى أن تلمحه ولكن دون جدوى .. تسائلت في نفسها هل حقا كڈب حدسها أم أنها فوتت فرصة رؤيته دون وعي ...
_ اعتلى مالك سطح الباخرة التي ستقله إلي بلد أخرى غريبة لا يعرف بها أحد .. وقفت روان وعمتها وزوج عمتها يودعونه بالتلويح في حين كانت الدموع لا تتوقف فيضانها من أعين الجميع ..
كان وداعا مؤلما أيقظ ذكريات الفراق بصميمهم .
تساءل مع نفسه پخوف طبيعي هل ستكون حياته گظلمة البحر في ساعته هذه أم ماذا يخبئ له القدر
لمس جبينه لفحة من الهواء أغمض جفنيه على أثرها ثم راح يشرد بعالم آخر .. عالم من الذكريات قد جرفه للعيش بداخله سجينا بين جدرانها الموجعة
_ وكأن الساعات لا تمضي وقت ممل ودقائق تمر بصحبته وكأنها أدهر .. وأخيرا انتهى حفل الزفاف وانتهت مسرحيتها المزيفة التي تجسدها أمام الجميع وأسدلت ستائرها أخيرا بعد انتهاء أخر مشاهدها المعروفة ..
نعم هي مسرحية السعادة التي ارتسمت كڈبا على محياها .. ولكن ما بقى بداخلها هو .. هو حطام أنثى 
انطلقت السيارات في موكب العرس وأخذت الأبواق في إصدار صوتها المزعج مما سبب لها ألم بالرأس حتى وصل الجميع أسفل بناية محسن ..
نظرت إيثار للبناية بإمتعاض وقد تشكل بذهنها مشهدا لتلك الليلة
الحميمية مع زوجها ..
فشعرت برغبة في الاڼتحار لتتخلص من هذا الچحيم الذي تعيشه ..
وإذ به فجأة يسد عنها الرؤية عندما فتح لها باب السيارة لتخطو خارجها ..
هو يعتقد أنه قد وصل بابنته لمرسى الأمان عندما تركها لزوج آخر لتكون في ذمته من بعده. 
_ وضع رأسها بين راحتيه ثم ابتسم لها وقال متمنيا السعادة من شفتيه 
ربنا يسعدك يابنتي
ردت عليه بجفاء واضح في نبرتها وقد نطقت نظراتها عما يجيش في صدرها 
شكرا
شعر رحيم بنظراتها المعاتبة و بتقلب مزاجها فحاول طمأنتها قائلا 
بكرة مش هتفكري غير في عيلتك وبيتك !
_ دنا عمرو منهما ثم أزاح كف والده عنها
تم نسخ الرابط