رواية مالك

موقع أيام نيوز

له عمرو بترقب .. فأي معلومة سيبوح بها ذلك الكهل ستفيد في الوصول إلى شقيقته وعليه أن يكون أكثر حرصا وتحكما في انفعالاته ليصل إلى مبتغاه ...
حك شعبان صدغه بأظافره المتسخة ومسح على طرف شاربه ثم استطرد حديثه قائلا بجدية 
شوف يا سيدي اللي أنا فاكره إنه كان ليه بيت كده في حتة في الأرياف بس معرفش إن كان باعه ولا لسه
أصل الموضوع ده أديله زمن وآآ...
قاطعه عمرو قائلا بتلهف بعد أن استمع إلى ما فاله والذي كان يحمل بصيص الأمل 
فينه البيت ده 
رد عليه شعبان بفتور وهو يمرر كفه على رأسه الصلعاء 
هو أنا مش متذكر أوي بس كان آآ...
قاطعه عمرو مجددا بإصرار 
الله يكرمك افتكر دي مسألة حياة أوموت
ردد شعبان مع نفسه بأسلوب رتيب ليحث عقله على التذكر 
فين البيت يا شعبان مكانه كان فين يا شعبان افتكر يا شعبان !
تابعه عمرو بنظرات مترقبة وتسارعت أنفاسه إلى حد ما وهو ينتظر رده ..
هتف شعبان فجأة بحماس 
ايوه افتكرت
وبالفعل حصل عمرو على عنوان المنزل الريفي وتعشم خيرا أن تكون أخته متواجدة هناك ...
لم يرد هو اخبار أبويه حتى لا يعلقهما بآمال زائفة سيذهب للتأكد بنفسه أولا من وجودها ثم سيبلغهما لاحقا ...
.................................
خططت إيثار للفرار من محبسها .. وعقدت العزم على عدم التراجع عما إنتوت فعله ..
ارتدت إسدال الصلاة على ثيابها الخارجية حتى لا تثير الريبة إن رأها أحدهم .. 
وانتظرت انشغال جميع من في المنزل بأعمالهم اليومية لتقدم على تنفيذ خطتها ...
أصبحت فرصتها متاحة بذهاب محسن للإستلقاء في الغرفة الأخرى ...
تريثت حتى سمعت صوته يعلو في النوم .. فتسللت بحذر نحو الدرج .. 
ونزلت عليه وهي تتلفت حولها بحرص شديد ..
حبست أنفاسها وهي تقترب من باب المنزل الرئيسي ..
ثم بخطوة جريئة ولجت للخارج ..
كان كل شيء هادئا .. فأكملت سيرها بحذر ..
وما إن ابتعدت عن البوابة الرئيسية حتى بدأت بالركض لتنجو ببدنها ..
استغلت ذكرياتها المقيتة مع محسن لتحث نفسها على الركض أكثر إن خارت قواها فتفر للأبد منه ...
لم تشعر بعبراتها المنهمرة على وجنيها وهي تلهث .. ولم تتوقف للحظة لتلتقط أنفاسها ..
كل ما كان يدور في عقلها هو الهروب من جحيمه الذي ينتظرها إن تخاذلت .. لم تفكر في تعبها ولا في آلم ركبتيها .. المهم هو الفرار .. 
..................................
في نفس التوقيت وصل عمرو إلى المكان المنشود وترجل من عربة القطار وهو يتلفت حوله بنظرات سريعة خاطفة ..
اعتصر قلبه حزنا على حال أخته فهو من دفعها لتلك الهاوية بإصراره العنيد على تزويجها دون التحقق كفاية من زميله ..
كان المكان مختلفا في طبيعته عن الحياة المدنية التي اعتاد عليها مع عائلته فشعر بمدى الفارق الواضح ...
تحرك خارج المحطة واستدار برأسه للجانبين ليبحث عمن يرشده إلى منزل محسن ..
وجد أحد الأشخاص البسطاء يجلس القرفصاء على الطريق فمال عليه وهمس له بكلمات غير واضحة فأشار له الرجل بيده للجانب وهو يجيبه فشكره عمرو ممتنا وأسرع في خطاه نحو أحد سيارات الأجرة ....
.....................................
وصلت إيثار إلى محطة القطار وبحثت بعينيها الخائفتين عن مكان حجز التذاكر .. وولجت للداخل وهي تلهث بصوت مسموع ..
تحاشت قدر الإمكان التحديق في أوجه المحيطين بها حتى لا يروا في أعينها نظرات الړعب ...
قرأت لافتة بيع التذاكر فأسرعت نحوها .. ومدت يدها القابضة على النقود إليه وهتفت بصوت لاهث 
عاوزة أحجز تذكرة
رفع الموظف رأسه لينظر إليها وسألها بجفاء 
لفين يا ست 
أجابته دون تردد وهي محدقة
فيه 
اسكندرية
رد عليها بفتور وهو يعاود التحديق في الأوراق الموضوعة أمامه 
مافيش مواعيد دلوقتي !
ارتجف جسد إيثار وعضت على شفتها السفلى بتوتر .. وخشيت أن يفشل مخططها فهداها تفكيرها للجوء إلى أي مكان أخر بعيد عن هنا حتى تفكر فيما ستفعله لاحقا لذا هتفت بتلهف 
طب .. طب أقرب ميعاد للقطر عشان يتحرك 
رفع الموظف عينيه نحوها وأجابها بإمتعاض 
في طالع كمان نص ساعة على ...
هتفت بجدية وهي تضع النقود أمامه 
ماشي احجزلي مكان
طيب .. القطر هيتحرك من رصيف 3 هو هناك على ايدك اليمين !
أعطاها الموظف تذكرتها فتناولتها منه وحدقت فيها بنظرات زائغة ثم طوتها وتحركت إلى حيث أشار ...
...........................
ترجل عمرو من سيارة الأجرة على مقربة من منزل محسن .. وتفحصه بنظرات دقيقة .. 
تلون وجهه بحمرة حانقة وهو يتخيل هيئة إيثار بعد إعتداء محسن عليها .. 
هو قد علم من والدته بما صار معها وبالتالي توقع الأسوأ حينما يراها ..
قرر في نفسه ألا يتركها له سيصطحبها معه حتى لو استخدم العڼف مع زوجها.. وسيترك المسائل القانونية لتحل لاحقا ولكن عليه أولا أن يأخذها معه ويعيدها إلى المنزل آمنة .. فهذا هو حقها عليه بعد تقصيره معها ..
لم يحتاج عمرو إلى قرع الجرس ليدخل إلى المنزل فقد كانت البوابة الرئيسية مفتوحة على مصرعيها ..
خطى إلى الداخل وهو يتلفت حوله ببطء ليدرس المكان جيدا ..
ولكن قطع تأمله صوت أم فتحي 
انت مين يا جدع انت 
استدار برأسه نحوها وسألها بصوت متصلب 
مش ده بيت محسن 
اقتربت منه أم فتحي وسألته مستفهمة 
اه هو .. انت مين 
رمقها بنظرات قوية قبل أن يجيبها 
أنا أخو مراته إيثار هو فين 
هللت أم فتحي بنبرة عالية 
يا مراحب بأخو الست إيثار
نورت المكان يا أستاذ
رد عليها بإيجاز 
متشكر
تابعت هي قائلة بحماس 
دي الست هاتفرح أوي لما تشوفك وخصوصا بعد ما حبلها نزل !
وقعت كلماتها كالصاعقة فوق رأسه وصاح مدهوشا وقد اتسعت مقلتيه 
نعم
لم يتخيل أن تكون أخته حاملا بل والأفظع أن تخسر جنينها قبل أن يرى النور دون أن يدري السبب ....
أكملت أم فتحي بحزن 
عيني عليها رقدت في المشتشفا كام يوم بس هي رجعت تنور بيتها تاني تلاقيه هو اللي اتصل بيك عشان تفرحها وتاخد بخاطرها
كز هو على أسنانه بقوة محاولا التحكم في غضبه وجاهد ليبدو طبيعيا في إنفعالاته أمامها .. وهتف بصعوبة 
متشكر يا ست هو فينه 
أدارت رأسها للخلف وهي تجيبه 
سي محسن أعد فوق !
ثم سارت للأمام وأشارت بيدها وهي تهتف بسعادة 
اتفضل يا سي الأستاذ .. يا مرحب بيك المكان نور !
كور عمرو قبضة يده وضغط على أصابعه بقسۏة وتوعد في نفسه بنبرة عدائية وهو يتحرك خلفها 
وقعتك سودة معايا يا محسن لو أختى جرالها حاجة بسببك !!
........................................
جلست إيثار على المقعد الخاص بها بداخل عربة القطار غير مصدقة أنها أصبحت على متنه وأنها على وشك الرحيل من هنا ..
ارتعش جسدها من فرط التوتر وتجنبت الجلوس بجوار النافذة كي لا يراها محسن إن اكتشف هروبها من منزله ..
عضت على أناملها پخوف وزاغت أبصارها وهي تطالع بحذر أوجه الجالسين على مقربة منها ...
لم تفارقها ذكرياتها الموجعة وتجسدت بين الفنية والأخرى في مخيلتها لتزيد من هلعها .. 
وبصعوبة بالغة قاومت رغبتها في البكاء .. 
فالكل أساء إليها والكل تخلى عنها في أحلك أوقاتها وأكثرها احتياجا..
أخفضت يدها لتضعها على بطنها .. فمازالت ذكرى خسارتها تؤلمها ..
هي لم تخض تجربة الحمل لكنها حزنت وبشدة لفقدان جزء منها .. 
انتبهت إلى صوت صافرة القطار وهي تصدح في الأجواء فتصلبت في مقعدها وتشبثت أكثر بمسنديه .. وحبست أنفاسها مترقبة ..
بدأ القطار في التحرك رويدا رويدا ومع كل حركة كانت دقات قلبها تتسارع حتى باتت في سبق معه ..
تنفست الصعداء بإبتعاد القطار عن محطته السابقة فإرتخى جسدها المتشنج واسترخت إلى حد ما على مقعدها ..
..............................
تفاجئت أمل بدخول أم فتحي وبصحبتها ذلك الرجل الغريب فأسرعت بضبط حجاب رأسها وتساءلت بجدية وهي تنظر إليه بتفحص 
ايوه انت عاوز مين 
اجابتها أم فتحي بدلا منه 
ده سي الأستاذ أخو الست إيثار
اتسعت حدقتي أمل في صدمة واضحة وفغرت فمها مشدوهة من رؤيته .. وهمست بتلعثم 
آآ.. اخوها
ابتلعت ريقها بتوجس وحاولت إستيعاب تلك الصدمة بسرعة لتتصرف بعقلانية دون أن تثير أي جلبة فوجهت أنظارها إلى أم فتحي وأردفت قائلة بهدوء 
روحي إنتي يا أم فتحي ! أنا هارحب بالضيف
ردت عليها الأخيرة بتحمس 
أوامرك يا ست أمل
ثم تحركت مبتعدة لتترك الاثنين بمفردهما ...
هدر عمرو بإنفعال وقد أظلم وجهه 
أختي فين 
اقتربت منه أمل وهمست بإرتعاد وهي تضع يدها على فمها 
ششش .. وطي صوتك
صاح پغضب وهو يلوح بيده في الهواء 
مش هاوطي صوتي ومش هاهدى أنا جاي هنا عشان أختي !
توسلت له قائلة پخوف وهي تتلفت حولها 
من فضلك محسن نايم ولو صحى ممكن يعمل مشاكل أنا هاخليك تشوف أختك بس اهدى !
لوح بذراعه پغضب وهو يصيح بشراسة 
وأنا عاوزه يصحى خليه يقوم يكلمني اللي عامل راجل على أختي !
ارتعدت فرائصها وهمست بفزع 
إنت .. إنت كده ناوي ټأذي أختك !
رمقها عمرو بنظرات ساخطة قبل أن يسألها بقسۏة 
وإنتي أصلا مين عشان تكلمي معايا !
ابتلعت ريقها بتوجس فبدلا من الزهو بكونها زوجة صاحب المنزل كانت تشعر بالخزي منه ترددت في اخباره بهويتها ولكن لا مفر من الهروب من إجابته لذا بصوت أسف ردت عليه 
أنا .. أنا أمل مراته الأولى !
اتسعت مقلتيه مصډوما وارتفع حاجبيه للأعلى في ذهول كبير فمحسن قد أبلغه عن ۏفاة زوجته فكيف تكون من الأحياء وهتف بعدم تصديق وهو ينظر لها متفحصا 
مين مراته إنتي .. إنتي مش كنتي مېتة !!
هزت رأسها نافية وأجابت بتلعثم وقد تشكل الخزي على نظراتها 
لأ .. هو .. هو كدب عليك أنا .. أنا آآ..
قاطعها مطلقا سبة عڼيفة 
الواطي ابن ال 
لوحت بكفها نافية وهي تقول بصوت مخټنق 
أنا ماليش ذنب
أدرك عمرو أنها على صواب فما ذنب معاتبها أو حتى ټعنيفها فصاحب الوزر الأقبح هو من ظن أنه رفيقه وخدعه وبدى هو كالساذج المغفل أمامه..
وپغضب أشرس صاح بها 
ناديلي على المحروس أنا كلامي مش معاكي مع البأف اللي سلمته أختي وجوزتهاله !
أشارت بأصابعها قائلة برجاء 
يا أستاذ اسمعني
لم يمهلها الفرصة بل تحرك ركضا في اتجاه الدرج وصعد عليه وهو ېصرخ بإهتياج 
يا محسن ايثار إنتي فين 
لحقت به وهي تتوسله
استنى هنا يا أستاذ
صاح عمرو بنبرة اكثر جنونا 
إيثار !!!!!
ووصل إلى الطابق العلوي وبدأ يبحث عن أخته في باقي أرجاء المنزل ...
.....................
أفاق محسن من
نومه على صوت الصړاخ الهادر الذي ينبعث من خارج غرفته وتثاءب وهو يصيح بتأفف 
مين ابن ال اللي بيزعق في بيتي ده وقعت أهله منيلة !
نهض عن الفراش وتحرك صوب الباب وعلى وجهه نذير شؤم ولكنه تفاجيء ببابه يفتح مرة واحدة ليرى عمرو أمامه فحدق فيه مشدوها ..
تحولت نظرات عمرو للإحتقان الشديد وأسرع ليمسك بتلابيب محسن وهزه پعنف وهو ېصرخ فيه بصوت مهتاج 
عملت في اختي ايه يا بن ال !
حاول محسن إبعاد قبضتيه عنه بعد أن صډمته حركته المباغتة ورد عليه بصعوبة 
الله ! الله ! جرى ايه يا عمرو إنت جاي تتهجم عليا في بيتي !
ده أنا هاموتك !
قالها عمرو وهو ينهال
تم نسخ الرابط