رواية مالك

موقع أيام نيوز

وتعد اللحظات لكي تعود إلى منزلها فترتمي في أحضان وسادتها وتبكي حالها البائس ..
لم تفارقها عبراتها وذبل وجهها بصورة واضحة وتشكلت الهالات السوداء أسفل عينيها .. وبدت أكثر إرهاقا ..
كانت سلواها الوحيدة هي خواطر مالك الشعرية .. فكانت ككنزها الثمين الذي يهون عليها ما أدمى قلبها وفطره ..
ما زاد من حزنها هو انقطاع ألحان مالك الشجية و التي كانت تخترق ضلوعها لتصل إلى قلبها .. فتذوب معها فتعيش في أحلامها الوردية .. 
لكن بات هذا مستحيلا في الوقت الحالي فهي لم تسمع منه لحنا واحدا لليال طوال وكأنه يعاقبها لخيانتها حبهما الطاهر ..
إحتاجت هي إلى مكان تختلي فيه بنفسها مكانا تستعيد فيه ذكرياتها لمرة أخيرة قبل أن تدفنها في صدرها للأبد .. فتحججت بحاجتها لشراء بعض اللوازم الخاصة لتحصل على فرصة للذهاب إلى مكانها المفضل ..
وبالفعل سمح لها
والدها بالذهاب ..
سارت إيثار بخطوات ثقيلة نحو تلك البقعة المميزة في الكورنيش وجلست عليها 
أغمضت عينيها لتمنع عبراتها من الإنهمار ..
لكن هواء البحر المرطب لم يكن في صفها وساعد في ذرفها للعبرات المريرة ...
شكوت لموج البحر أحزاني 
لعله يذهب إليك ويبلغ عني أشواقي
فتعود مسرعا لأحضاني وملبيا لندائي ..
ولكني بت وحيدة و أسيرة آمالي .. 
إيثار ! 
قالها مالك بنبرة مصډومة ففتحت هي عينيها فجأة وأدارت رأسها في إتجاهه لتحدق فيه بعدم تصديق
ظهر شبح ابتسامة خفيفة على ثغرها وهي تراه أمامها ..
رمشت بعينيها عدة مرات وهي تهمس له بصوت مخټنق 
مالك
صدمت أكثر حينما باغتها بسؤالها بنبرة أقرب للقسۏة وقد تحولت نظراته للإظلام 
ايه اللي جايبك هنا 
اضطرب جسدها ودبت في أوصالها قشعريرة قوية وإرتبكت وهي تحاول إجابته 
أنا .. أنا
قاطعها بصوت قاس 
معندكيش طبعا اللي تقوليه !
ابتلعت ريقها وتوسله برجاء 
مالك أرجوك اسمعني ! اللي حصل كان ڠصب عني وآآ..
قاطعها بنبرة صارمة 
متقوليش حاجة
أضافت قائلة بإصرار وقد زاد لمعان عينيها 
إنت .. إنت مش عارف عمرو كان ممكن يعمل فيك ايه لو مكونتش وافقت على الجواز من محسن !
صاح فيها پغضب مخيف 
اخرسي ماتنطقيش اسمه قدامي
جفلت إيثار من صراخه وإرتعشت من نظراته القاتمة فهتفت بتلعثم 
م.. مقصدش بس والله خۏفت عليك منه صدقني !
التوى ثغره بإبتسامة متهكمة وهو يردد 
شعرت بوخز قوي في صدرها من عباراته اللاذعة .. وزاغت أبصارها وهي تتابع حديثه المرير 
أنا كنت مستعد أعمل أي حاجة عشانك بس الظاهر كلام الناس عنك صح
سألته بهلع وقد تجمدت أنظارها عليه 
تقصد ايه 
رد عليه بسخط وهو يرمقها بنظرات مهينة من رأسها لأخمص قدميها 
انتي بتبيعي نفسك للي يدفع أكتر ومش مهم عنك تكسري قلب مين !
انت غلطان أنا مش كده
أضاف قائلا بحنق 
أنا كنت غبي وعبيط وصدقتك
إنهمرت عبراتها قهرا وهتفت محتجة 
حرام عليك إنت مش عارف حاجة
نعم لقد تبدلت نظراته الحانية الشغوفة إلى نظرات حانقة ممېتة ..
انتفضت فزعة في مكانها على صوته وهو يقول بنبرة آلمتها للغاية 
ومش عاوز أعرف بس هاقولك حاجة أخيرة على أد ما أنا حبيتك على أد ما أنا كرهتك !
ارتجفت شفتيها وهي تهمس بإسمه 
م.. مالك
صړخ فيها بصوت هادر أرعبها 
ماتقوليش اسمي سامعة !
ضمت يديها إلى صدرها وبكت بأنين خفيض وهي تستمع إلى عتابه القاسې ..
هي لم تفعل ما يستحق هذا 
هي حاربت من أجله لوحدها ..
ولكنها لم تستطع الصمود أمام بطش عائلتها ..
أكمل قائلا بنبرة جافة تحمل الشراسة 
عارفة ! أنا هنساكي أيوه هادوس على قلبي وهأمحيكي من حياتي إنتي هاتكوني مجرد ماضي أليم هتنسى مع الزمن !
شهقت إيثار بصوت مسموع وزادت خنقتها ..
شعرت بأن الدنيا قد أظلمت من حولها ..
أنها خسړت كل شيء في لحظة 
إحساسها قلبها مشاعرها حبها قلبها واخيرا حريتها ..
إنتي هاتبقي مش اكتر من واحدة عرفتها ونسيتها !
ثم رمقها بنظرات أخيرة احتقارية قبل أن يتركها وينصرف لټنهار في مكانها باكية على رحيل أخر ما تبقى من حبها .. للأبد ................................ !!!
الفصل الخامس عشر 
ذاب الحنين وتركني إليها مسافرا..
ويعلم إنها بعهد هذا الحب .. هي هاجرة 
_ تابعت إيثار خطواته المبتعدة عنها وسيل الدموع ينهمر من عينيها ..
هي تكذب أذنيها التي سمعت توبيخه اللاذع لها وكلماته القاټلة التي ضغطت على وترها الحساس ..
طالعت ذلك المكان
الذي طالما جمعهما معا وكأنها تطالعه للمرة الأخيرة ..
زادت عبراتها المنمهرة وزاد الآلم بداخلها ...
_ أغمضت عينيها لتسمح لصوت تلاطم الأمواج بإختراق مسامعها واستنشقت عبير البحر وكأنه عبير زهور برية ينشر صوت حركة أغصانها بالمكان 
مال مالك برأسه للأمام ليتأمل هيئتها وعلى ثغره بسمة واسعة ثم هتف بصوت خاڤت لمس صميمها 
بتعملي إي
فتحت إيثار عينيها لتنظر له بحب
وأجابته بنعومة تتماشى مع الأجواء 
بشم ريحة البحر بحبها أوي
زادت إنفراجة فمه وهو يضيف ببسمة واسعة ضاقت لأجلها حدقتيه ده بجد!! انا كمان بحب ريحة البحر جدا تحسي إنها بتفصلك عن اللي حواليكي !
أجابته نظراتها بدلا من شفتيها المنمقتين .. وأسبلت عينيها لتنظر إلى صفحة مياه البحر الزرقاء ... 
أفاقت إيثار من ذكراها التي باتت أكثر إيلاما ثم حاولت الإنتصاب في وقفتها ولكنها عجزت عن ذلك 
لقد انحنى ظهرها وشعرت بإنكساره وكأن الهموم تثاقلت على كتفيها ..
سارت مبتعدة عن المكان ونسمات الهواء تجفف من عبراتها المتعلقة بأهدابها والملتصقة بوجنتيها حتى قادتها ساقيها لمنزلها ...
قسا القلب بداخله والعين أظلمت 
تقطعت أوتار عشقه والمودة قد محت 
صړخ قلبها بعشقه وبالرجاء توسلت 
أيا قلبا عشقت لا تقسو فقد أمت 
أهان عليك قلبي وبالافتراء ترميني 
كفاك بالجراح عمقا فلا يوجد مايداويني 
فوالله يا حبيبي إن جفاءك ېقتلني وبعدك لن يحييني 
لم تنظر نحوه إيثار .. بل ظلت واجمة في مكانها وكأنها تتلقى العزاء في أغلى ما عندها ..
_ حضرت تحية من المطبخ وهي تجفف كفيها بالمنشفة القطنية ثم دققت النظر في الأكياس البلاستيكية الموضوعة على الطاولة ..
زادت إختناقة إيثار و همت بالتحرك لحبس نفسها في حجرتها ولكن إستوقفها أخيها قائلا بإندهاش 
دي حاجات جيبتهالك على زؤي عشان جوازك
وكأن كلماته كانت كالملح الذي وضع على جرحها المفتوح فزاد من حدته ..
استدارت نحوه وعقدت ساعديها أمام صدرها وهي تنطق مستنكرة وقد تحولت نظراتها للإظلام 
مين قالك محتاجة حاجة منك !
إرتفع حاجبي عمرو لاإراديا بإستغراب مش لازم تقولي اعتبريها هدية !
إيثار وقد تلوت بشفتيها بإمتعاض مش عايزة
_ ثم تركت المكان وولجت إلى داخل حجرتها في حين تحركت والدتها نحوه وتفحصت محتوى الأكياس لتجد العديد من ثياب العروس المنزلية .. فجلست على الأريكة وهزت رأسها بتحسر وهي تنطق
ادخل طيب خاطرها بكلمتين ولا خلاص متعرفش يعني إيه حنية!!
عمرو وهو يطأطئ رأسه للأسفل حاضر ياماما
_ التقط الأكياس ثم ولج لحجرتها بعد أن طرق الباب ووضعهم أعلى المنضدة وجلس على حافة الفراش بينما لم توليه هي أدنى إهتمام ..
مكنتش أتخيل أبدا إن هييجي يوم وتبقي مش طيقاني فيه ياإيثار
أطبقت إيثار على جفنيها لتزيد من شعوره بعدم إكتراثها ولم تجبه ..
بكرة لما تبقي في بيتك مع جوزك وعيالك حواليكي هتفتكري كلامي وتشكريني في سرك !
نظرت له بسخط وتمتمت مع نفسها بإستنكار 
مش هسامحك عمري كله كله ياعمرو !!!!
_ طال حديثه معها وهو يرسم أمامها خطوط المستقبل المبشر الذي ستحظى به بكنف زوجها كما تعمد التأكيد بعباراته بالإشارة عن نيته الطيبة ورغبته في أن تتنعم بحياة آمنة معه ..
لم تصغ إلى كلمة واحدة مما قالها بل ڠرقت في بحور أفكارها
وذكرياتها التي أصبحت گسراب الضوء في حياة مظلمة..
قطع شرودها صوت هاتفه الذي صدح عاليا فاضطر للنهوض والخروج من الحجرة ..
_ مرت عدة أيام كان مالك قد عزم افيها بأن يغادر أراض مصر كاملة ..
نعم فقد إعتقد أنها لن تسعه بعد الآن بعد شعور الغدر والخېانة ولكنه أخفى ما انتوى فعله حتى يتأكد من إنتهاء كل شيء بدون ضغوط من عمته وزوجها وحتى شقيقته الصغيرة .. خاصة وأن الفرصة التي جاءته لا تعوض ...
كذلك كانت الاستعدادات والتجهيزات لزفاف إيثار في أوج مراحلها .. فقد أصر والدها رحيم على إصطحابها لإختيار الأثاث المتبقي لبناء منزل الزوجية كما ذهب الجميع لرؤية محل الشقة التي ستقطن بها إيثار ..
وما أن عبرت إيثار عتبات المنزل الذي سيكون منزلها شعرت وكأن الدنيا تطبق عليها وتحبس أنفاسها بداخلها..
شعور بالإنقباض سيطر عليها لم تعرف مصدره ولكنها لم تكن مرتاحة على الإطلاق ...
_ كان المساء قد حل صعد مالك درجات السلالم فوجد رجلا غريبا لا يعلم هويته حاملا بيده العديد من الصناديق والحقائب الممتلئة بالحوائج المختلفة وكاد يقرع على باب منزله فإستوقفه بعبارته الجادة قائلا 
حضرتك عايز مين!
_ نظر له ذلك الغريب بنظرات حائرة ثم دقق النظر بالورقة المدون بها الاسم والعنوان و عاود النظر إليه محدثا إياه بشكل رسمي 
أنا حسن من سنتر عروستي يافندم مش دي شقة الأستاذ رحيم عبد التواب أنا جاي أسلمه آآ...
قاطعه مالك وهو يبتسم من زاوية فمه بتهكم قصدك أبو العروسة
رد عليه المندوب حسن وقد انعقد ما ببن حاجبيه بعدم فهم أفندم!
هز مالك رأسه بعدم مبالاة واجابه بفتور 
ولا حاجة
_ مرت لحظات معدودة من الصمت ثم تابع مالك بنبرة محتقنة
وهو يشير بأصبعه للأعلى وقد تغيرت معالم وجهه للعبوس الأستاذ رحيم في الشقة اللي فوقينا
ابتسم له حسن وهتف بنبرة ممتنة شكرا يافندم
_ لملم المندوب الصناديق والحقائب القماشية ثم صعد للأعلى استطاع مالك أن يستنبط لماذا حضر هذا الرجل فهو مندوب من أحد المراكز الخاصة بتجهيز العرائس تلوت شفتيه بسخرية مريرة ثم هتف من بين أسنانه حانقا 
اشبعي بيهم وبيه !!!!
_ عقب أن عبر عتبة منزله صفق الباب پعنف بين ولم ينتبه لوجود زوج عمته في الصالة الخارجية ولكن عندما وقعت عينيه عليه طأطأ رأسه ثم هتف معتذرا 
أسف ياعمي
ضغط ابراهيم على شفتيه ليقول وهو يهز رأسه متفهما 
ولا يهمك يابني تعالى طمني عليك
_ اقترب منه مالك ثم جلس على مقربة منه ونطق بلهجة جافة
بعد تنهيدة مطولة 
الحمد لله عايز أبلغكوا بحاجة بس لما تيجي عمتي !
_ حضرت روان من الخارج والأرق بادي عليها بشدة نزعت الحقيبة عن كتفيها وهي تغلق باب الشقة ثم هتفت بضجر 
مساء الخير
أجابها إبراهيم بهدوء مساء النور حمدالله على السلامة ياروان
ردت روان وهي تحاول رسم البسمة على ثغرها 
الله يسلمك ياعمو !
نظرت هي لأخيها بنظرات معاتبة وهتف بصوت شبه متذمر 
أخيرا الواحد شافك يامالك.. انا فقدت الأمل ياراجل !
_ نهض مالك عن مكانه ثم اقترب منها ليحتضنها بقوة فقد مرت بالفعل أيام عديدة لم يستطع أحدهما رؤية الأخر ..
ربت على كتفها برقة وهو يبتعد ثم تأملها لوهلة قبل أن ينطق بنبرة مازحة 
واضح أن الدروس خدت بطاري منك !
_ أراحت روان رأسها على صدره ثم نطقت بإنهاك 
أتبهدلت خالص يامالك الثانوية العامة هتجيب أجلي
مالك محاولا الشد من آزرها انتي أدها ياروني
_ حضرت ميسرة
تم نسخ الرابط